الثلاثاء، 11 أكتوبر 2016

أخطر ما في عملية القدس: "المنفرد النائم"



أنس أبو عرقوب 
جوقة المتحدثين والمحللين العسكريين الإسرائيليين، أشبعت جمهورها، خلال الأسابيع الماضية، بمناسبة مرور عام على انطلاق الانتفاضة، اجترار الادعـاء القائل أن انتقال زخم "انتفاضة المنفردين" من القدس إلى مدينة الخليل، خير دليل على نجاح "سياسة الردع" في القدس؛ في إشارة للخطوات الانتقامية التي تستهدف أسر الشهداء بهدم المنازل أو الإبعاد عن المدينة المقدسة.

بالإضافة لتعزيز عنصر "الردع" لثني المنفردين عن تنفيذ الهجمات؛ رأى غالبية المحللين العسكريين الإسرائيليين أن حقيقة عدم نجاح "المنفردين" مؤخراً بإلحاق خسائر بشرية كبيرة في صفوف الإسرائيليين أدت لتراجع الهجمات، ولكن "نجاح عملية القدس" قد يعطي دفعة جديدة لموجة من العمليات.


الدراسات الأمنية القليلة التي أعدتها الأجهزة الاستخبارية والدوائر الأكاديمية في "إسرائيل"، خلصت إلى أن "هجمات المنفردين" تُصنف تحت بند "هجمات الأجواء"؛ فالتوتر يدفع الشبان لتنفيذ الهجمات، وكل عمليةٍ ناجحةٍ تزرع بذور الهجوم المقبل، وانطلاقًا من هذا الفهم، يقيّم جهاز المخابرات الإسرائيلية "الشاباك" ما حدث في حي الشيخ جراح.

خلال هجومه، أظهر الشهيد مصباح أبو صبيح، حرفيةً عاليةً في استخدام البندقية الآلية خلال قيادته سيارته وأثناء ملاحقته لجنود "وحدة يسام لمكافحة الإرهاب" التابعة للشرطة، فأردى جنديًّا قتيلاً برصاصة في الرأس، فيما أصاب الآخر بجروح خطيرةٍ في صدره. وللصورة دلالاتها على طرفي النقيض، الإسرائيلي رأى الجندي الذي من المفترض أن يقدم له الحماية مضرجًا بدمائه أو فارًّا بحياته. طبعًا الجيل الفلسطيني الجديد رأى المشهد ولا تعوزه القدرة على استخلاص الاستنتاجات.

كيف نجح أبو صبيح بقيادة سيارته من نقطة إلى نقطة أخرى تتجاوز في طولها الكيلومتر وهو يطلق النار من بندقية "أم 16" الآلية في عصب المواصلات المركزي في القدس؛ الذي يشهد استنفارًا أمنيًّا بشكل دائم رفعت وتيرته منذ بداية موسم الأعياد اليهودية الذي يتم خلاله اقتحام المسجد الأقصى. هذا السؤال سيجد روني الشيخ القائد العام للشرطة نفسه مضطرًّا للإجابة عليه، وثمة من سيدفع ثمن هذا الإخفاق كما جرت العادة في "إسرائيل".

أما التساؤل المركزي الذي سيصل "الشاباك" الليل مع النهار خلال الأيام المقبلة للإجابة عليه؛ "هل عمل أبو صبيح بشكل منفرد؟ ومن قدم له السلاح والذخيرة، ومن دربه استعدادًا للهجوم؟ ثمة فرضيتان للإجابة على هذا التساؤل؛ الأولى هي أن أبو صبيح مهاجم منفرد ولكن من نوع جديد، أو أنه جزء من بنية تنظيمية وفرت له السلاح والتدريب، وفي كلتا الحالتين يعتبر هذا تطورًا يضع الاحتلال أمام تحدٍّ جديد.

استنتج "الشاباك" من التحقيق مع عشرات الشبان الذين نجح في اعتقالهم قبل تنفيذ عملياتهم، أن الفترة الزمنية الفاصلة بين اتخاذ القرار بتنفيذ الهجوم والتنفيذ الفعلي، تتراوح في الغالب بين بضع ساعات إلى 10 ساعات. ولكن في حالة أبو صبيح تشير التحقيقات الأولية إلى أنه عقد العزم على تنفيذ هجومه قبل عام على الأقل، وانتظر بفارع الصبر نضوج الشروط الموضوعية للنجاح، فحصل على السلاح وتدرب عليه، وأتقن استخدامه، وقد يكون ذلك بإمكانياته الذاتية.

وإن صح هذا الاحتمال فإن "موجة المهاجمين المنفردين"، أنجبت نمطاً جديداً بالإمكان تسميته بـ"المنفرد النائم"؛ على غرار ما يعرف بـ"الخلية النائمة"، وهو العمل الذي يؤرق وينهك أي جهاز استخباري، لأن هذا الأسلوب يراهن على الزمن؛ فكلما استعاد "العدو" الشعور بالأمن الشخصي جراء توقف العمليات، فإن الوقت يحين لتوجيه الضربة لتبديد ذلك الشعور؛ وللتأكيد أن الهجمات مستمرة.

حتى الآن، يستبعد "الشاباك" وقوف خلية منظمة خلف العملية، ولكن في حال ثبت عكس ذلك؛ فإن أحد الأجهزة العسكرية لفصيل فلسطيني استعاد عافيته في القدس، وهذا بحد ذاته مؤشر جديد على الفشل الاسرائيلي.

عملية القدس ذكّرت المستوطنين في المدينة بالأمن الشخصي الذي قد يفقدونه في أي لحظة، وشخص أبو صبيح مؤشر على إفلاس "سياسية تعزيز الردع"؛ فالرجل لم يُثنه الاعتقال أو الإبعاد عن المسجد الأقصى والمنع من السفر، وحتى هدم المنزل، ولعل أخطر ما في الهجوم أنه أعلن أن الانتفاضة بالقدس مستمرة، وأنها دخلت عامها بهجوم استعراضي، أظهر رباطة جأش المهاجم المنفرد وفرار جنود النخبة من أمامه.

مواضيع ذات صلة

أخطر ما في عملية القدس: "المنفرد النائم"
4/ 5
Oleh

إشترك بنشرة المواضيع

.اشترك وكن أول من يعرف بمستجدات المواضيع المطروحة

نشكر لكم مشاركتكم ... سوف يتم نشرها بعد التحقيق