الاثنين، 30 يناير 2017

علي حسنين .. صانع العود وعازفه ومدربه



في قلبِ البلدةِ القديمةِ بنابلس، وتحديدا في المكان المعروف بـ"حبس الدم"، يمضي علي حسنين ساعاتٍ طويلةً في مهنةٍ أحبَها منذُ صغرِه..
فقد شغفَه العودُ حباً مذ كانَ صغيرا، والفضلُ يرجعُ لعودٍ قديمٍ امتلكَه والدُه في ثلاثيناتِ القرنِ الماضي، حينما اجتهدَ في إصلاحِه وتمكنَ من ذلك، ومن حينِها شقَ طريقَه في سبرِ أغوارِ هذه الآلة، حتى بات من صنّاعِها المعدودينَ على مستوى الوطن.
مراسل "فلسطين الآن" زار حسنين الذي ناهز السادسة والخمسين من عمره، في محله الذي  أطلقَ على محِله اسمَ زرياب -وهو مخترعُ الوترِ السادس في العود-، وشاركه رحلة صناعة أحدهم، من لحظة كونه خشبا حتى بات يصدر ألحانا جياشة.
و"زرياب" هو لقب لـ"أبو الحسن علي بن نافع"، الموسيقي والمطرب الذي اشتهر في بلاد الرافدين لعذوبة صوته في العصر العباسي، حيث كانت له إسهامات بارزة في الموسيقى العربية.
يقول "ترعرعت في بيئة فنية كانت كفيلة بتعليمي العزف على العود منذ صغري، فوالدي درس الموسيقى في سوريا وتعلمت العزف على العود أثناء تدريبه بعض الطلبة في بيتنا"،
ويتابع "عائلة والدي تشكل بيئة فنية كاملة، فجدتي تمتلك صوتا جميلا وجدي كتب كثيرا من الشعر وهو ما ساعدني على التوجه للموسيقى".
ولم تسر حياة حسنين على الوتيرة الموسيقية ذاته، إذ رفض والده مضيه في العمل الفني، ودفعه لدراسة التمريض. يقول: "أردت مواصلة مشواري مع العود، لكن والدي رفض لأن هذه المهنة لا تسد احتياجات الحياة وقتها، فدرست التمريض، وعملت ممرضا بالسعودية منذ عام 1982 حتى 1992".
ولم يلبث حسنين في مهنة التمريض طويلا؛ لأن الحنين للعود بدأ يعاركه، فرجع قافلا لنابلس وفتح محلا لتصليح العود الذي حافظ عليه حتى اليوم.
أما بداية مشواره في صنع العود كانت بمحاولته صيانة عود والده الذي صنع عام 1938.. يرجع لتلك الأيام التي كانت قبل أكثر من خمسة وعشرين عام تقريبا، مستذكرا "بحثت كثيرا عن مصلحي الأعواد في فلسطين لكنني لم أجد أحد، وحفاظا على العود أصلحته بنفسي بعد عناء طويل من البحث عن الخلل فيه، وبذلك بدأت شيئا فشيئا بتصليح الأعواد".
ومن أجل تطوير نفسه ومهاراته، راح يتردد إلى صانعي العود في مختلف البلدان مثل سوريا وتركيا ومصر والعراق وغيرها لتعلم صناعته، بالإضافة لدورات في بلجيكا وفرنسا.
العودُ هو الآلةُ الأساسيةُ في التختِ الشرقي، تعددَت الرواياتُ حولَ ظهورِه، فبعضُها يرجعُه لما قبلَ الميلاد، عبر العثور على مخطوطة بها سيدة تعزف على آلة شبيهة به... ولكنه حافظَ على حضورِه حتى يومِنا هذا.
الفضل للخشب
"النوتةُ الموسيقيةُ تختلفُ على حسبِ الخشبِ الذي يصنعُ منه العود" يوضحُ حسنين. فلكيّ تحصلَ على صوتٍ عذبٍ من أوتارِه، يتوجبُ عليك المعرفةُ الجيّدةُ بأنواعِ الأخشاب. وهذا يعدُ أصعبَ مرحلةٍ في صناعةِ العود، كما يقول.
أفضل تلك الأنواع، هي أخشاب الجوز والورد والصاج الهندي و"الابانوس". يوضح الفروق بينها قائلا: "يختلف الخشب تبعًا لمناطق وجوده، فالأخشاب الموجودة في الوادي تختلف عن التي في سفح الجبل.. لكل منهما صوتٌ مختلف وأفضلها الموجودة في الجبال، كونها تحصل على القدر الكافي من الماء والهواء".
ويشرح حسنين مراحل صناعة العود بشغفٍ كأنه يسرد تفاصيل ولادة أحد أطفاله، قائلا: "أنقع الخشب بالمياه، ثمّ أتركه حتّى يجف. وبعدها يوضع على آلة لتحديد سمك الخشب المصنّع، لتبدأ مرحلة تجميع أجزاء العود ومراعاة تناسق الألوان فيه، واستكمال صناعته بطريقة فنيّة تجذب الناظر إليها، مؤكدا أنه لا يشبه عود الآخر في تكوينه وشكله".
كما أن الغراء الذي يستخدم في لصق القطع هو من النوع الحيواني، ويأخذ من عظام الحيوانات ومن أظافر الأرانب، أما الأوتار فتصنع إما من النايلون أو "السيلفر"، وكان العرب يصنعونها من أمعاء القطط، ويستخدم دهان خاص يسمى الدهان النباتي.
ويتكون العود من أربعة أجزاء هي: صندوق الصوت، الذي يصنع من أنواع عدة من الخشب أو من نوع واحد كـ"الابانوس" أو الجوز، والجزء الثاني هو الوجه ويصنع من خشب "الشوح" أو "السيبروس" وغيرهما، والجزء الثالث هو الزند ويصنع من "الزان" أو الجوز، أما الجزء الأخير هو لوحة المفاتيح، ويفضل أن تصنع من خشب قاس.
لكن المحزن وفق حسنين أن كل هذه الأنواع مستوردة، ولا يتوفر في فلسطين أيا منها، وإذا ما وجدت، فإنك لا تجد من يستطيع أن يقصها بالشكل المناسب، وبطريقة لا تراعي اتجاه الألياف فيها التي تعتمد عليها الموجة الصوتية أثناء العزف.
التدريب للجادين
حسنين الذي اتقنَ العزفَ والتلحينَ على العود، نقلَ خبراتِه لتلاميذِه.. فحولَ سقيفةَ محلِه لمكانٍ لتدريبِ طلبتِه على العزف، وجزءٌ منهم من الاجانب. يؤكدُ حسنين أن هناك مواهبَ فلسطينيةً تستحقُ الاهتمامَ بها.
ويتابع "إقبال الطلاب في تعلم العزف على آلة العود في ازدياد. أنا أعطي المبادئ الأساسية للطالب في دورة تستمر أربعة أشهر، ومن ألمس الجدية منه لا أبخل عليه بالمعلومة واستمر في تدريسه حتى يضع قدمه على أول الطريق".
لكن المميز هو إقبال الأجانب على "زرياب". يقول حسنين "المحل لا يخلو من الزيارات المستمرة للأوروبيين الذين ترسلهم المؤسسات المسؤولة عنهم، وكثيرًا منهم يطلب التعلم على العزف، لإعجابهم الشديد بصوت العود الشرقيّ الأصيل".

مواضيع ذات صلة

علي حسنين .. صانع العود وعازفه ومدربه
4/ 5
Oleh

إشترك بنشرة المواضيع

.اشترك وكن أول من يعرف بمستجدات المواضيع المطروحة

نشكر لكم مشاركتكم ... سوف يتم نشرها بعد التحقيق